إتحاف
النبلاء بأخبار الثقلاء |
إتحاف النبلاء بأخبار الثقلاء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلامٌ على عباده الذين اصطفى. روى الحافظ أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن الخلال في كتابه، أخبار الثَّقلاء: عن أبي هريرة أنَّه كان إذا استثقل الرجل قال: اللَّهم اغفر لنا وله وأرحنا منه!
وروى عن أبي حماد بن أبي سليمان قال: من خاف أن يكون ثقيلاً فهو خفيف ومن أمِنَ أن يَثقُلَ ثَقُل!
وروى عن مُسَاور الورَّاق قال: إنما تطيب المجالسة بخفّة الجلساء!-أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق وروى عن جبريل - متطبّبٍ كان بالشام - قال: نجد في كتبنا أنَّ مجالسة الثَّقيل حُمّى الروح!...
وروى عن يزيد بن هارون أنه كان يقول للإنسان إذا استثقله: اللَّهم لا تجعلنا ثقلاء.
وروى عن أبي أسامة قال: سمعت هشام بن عروة يقول لرجلٍ: أنت أثقل من الزَّواقي!
فسألت عنها الفراء فلم يعرفها، فقال رجل من جلسائه: كانت العرب تسمر فإذا سمعت زقاء الدِّيكة إستثقلتها لمجيء الصُّبح!
فأعجب الفرَّاء ذلك. وروى عن سفيان الثوريّ قال: إنَّه ليكون في المجلس عشرة كلهم يخف عليّ، فيكون فيهم الرجل الذي استثقله فيثقلون عليّ.
وروى عن أبي معاوية الضرير قال: قيل للأعمش: ما عوَّضك الله من ذهاب بصرك؟ قال: أن لا أرى به ثقيلا.!
وروى عن ابن شهاب قال: إذا أثقل عليك الجليس فاصبر فإنَّها رَبطةُ في سبيل اللّه، فإذا أبرمك وملّك بحديثه فجاهد. بقيامه عنك أو قيامك عنه!.
وروى عن أبي يحيى قال: كُنَّا نأتي ابن أبي عتيقٍ تعرض عليه، فربَّما غمَّض عينيه، فنقف،
فيقول: ما لكم؟ فنقول:
نعست! فيقول: لا، ولكن مرّ بي إنسانٌ فاستثقلته فغمّضت عينيّ
وروى عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يجلس إليه رجل يستثقله، فكان إذا طلع دخل وتركه، فكتب
إليه يستعطفه، فكتب إليه أبو عمرو:
أنت يا صاحب الكتاب ثقيلُ |
وقليل من الثَّقيل كثير! |
|
وقال ابن شبرمة:
ومن الناس من يخفّ ومنهم |
كرحى البزر ركبت فوق ظهري! |
|
وقال أبو عاصم النبيل:
عدمت ثقيل الناس في كل مجلس |
فيا ربّ لا تغفر لكلِّ ثقيلِ! |
|
إذا ما ثقيل زارنا في رجالنا |
فأف به من زائرٍ ومقبلِ! |
وقال دعبل بن عليٍّ:
إني أجالس معشراً |
حمقى أخفُّهم ثقيل |
|
لا يفهموني قولهم |
وبدقُّ عنهم ما أقول |
|
قومٌ إذا جالستهم |
صديت لقربهم العقول |
|
فهم كثير بي وأع |
لمُ أنني بهم قليل |
هذا جميع ما أسنده الخلاّلُ
ومن هنا زوائد:
عقد ابن عبد ربه في كتاب العقد بابا في الثقلاء أورد فيه: قالت عائشة رضي الله عنها: نزلت آية في الثقلاء (فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث).
وقال الشعبي: من فاتته ركعتا الفجر فليلعن الثُّقلاء. وقيل لجالينوس: بم صار الرجل الثقيل أثقل من الحمل الثقيل؟ قال: لأنَّ الرجل الثَّقيل إنما ثقله على القلب دون الجوارح، والحمل الثقيل يستعين فيه القلب بالجوارح.
وقال سهل بن هارون: من ثقل عليك بنفسه، وغمك بسؤاله، فأعره أذناً صمَّاء وعيناً عمياء.
وكان الأعمش إذا حضر مجلسه ثقيل يقول:
فما الفيل تحمله ميّتاً |
بأثقل من بعض جلاسنا |
|
وذكر الأعمش رجلا ثقيلا كاني جلس غليه فقال: والله إني لأبغض شِقيَ الذي يليه إذا جلس إليّ!
ونقش رجل على خاتمه: أبرمت فقم وكان إذا جلس إليه ثقيل ناوله إياه وقال: إقرأ ما في هذا الخاتم!
وكان حماد بن سلمة إذا رأى من يستثقله قال: ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون!.
وقال بشار العقيلي في ثقيل يكنّى أبا عمران:
ربّما يثقل الجليس وإن كا |
ن خفيفاً في كفة الميزانِ |
|
ولقد قلت إن أطلَّ على القو |
م ثقيل بربي على ثهلانِ |
|
كيف لا تحمل الأمانة أرض |
حملت فوقها أبا عمرانِ |
وقال الحسن بن هانيء في رجلٍ ثقيل:
ثقيل يطالعنا من أمم |
إذا سرَّهُ رَغمُ أنفي ألم |
|
اقول له إذ تدا، لا بدا |
ولا حملته إلينا قدم! |
|
فقدت خيالك لا من عمى |
وصوت كلامك لا من صمم |
وقال فيه:
وما أظنُّ القِلاصَ منجيتي |
منك ولا الفلك أيُّها الرجل |
|
ولو ركبت البراق أدركني |
منك على نأي دارك الثقل |
|
هل لك فيما ملكتهُ هبةً |
تأخذه جملةً وترتحل؟! |
وقال فيه:
يا من على الجلاّس كالفتق |
كلامك التَّخديش في الحلق |
|
هل لك في مالي وما قد حوت |
كفِّي من جلِّ ومن دقِّ |
|
تأخذه مني كذا فديةً |
واذهب ففي البعد وفي السحق |
وقال فيه:
ألا يا جبل المقت ال |
ذي أرسى فما يبرح |
|
لقد أكثرت تفكيري |
فما أدري لما تصلح |
|
فما تصلح أن تهجى |
ولا تصلح وأن تمدح |
أهدى رجل من الثقلاء إلى رجل من الظرفاء جملاً، ثم نزل عليه حتَّى أبرمه فقال فيه:
يا مبرماً أهدى جمل |
خذ وانصرف ألفي جمل |
|
قال: وما أوقارها |
قلت زبيب وعسل |
|
قال: ومن يقودها |
قلت له ألفا رجل |
|
قال ومن يسوقها |
قلت له ألفا بطل |
|
قال وما لباسها |
قلت حليّ وحلل |
|
قال وما سلاحهم |
قلت سيوف وأسل |
|
قال عبيد لي إذن |
قلت نعم ثم خول |
|
قال بهذا فاكتبوا |
إذن عليكم لي سجلَّ |
|
قلت له ألفي سجل |
فاضمن لنا أن ترتحل |
|
قال وقد أضجرتكم |
قلت أجل ثم أجل |
|
قال وقد أبرمتكم |
قلت له الأمر جلل |
|
قال: وقد أثقلتكم |
قلت له فوق الثِّقل |
|
قال فإنِّي راحل |
قلت العجل ثم العجل |
|
يا جَبَلاً من جَبَلٍ |
في جَبَلٍ فوق جبل |
وقال حبيب الطائي:
يا من تبرّمت الدنيا بطلعته |
كما تبرَّمت الأجفان بالسَّهد |
|
يمشي على الأرض مختالاً فأحسبه |
لِبُغضِ طلعته يمشي على كبدي |
|
لو أن في الناس جزءا من سماجته |
لم يقدم الموت إشفاقاً على أحد |
وقال حبيب الطائي:
يا من له في وجهه إذا بدا |
كنوز قارون من البغض |
|
لو فرّ شيء قطُّ من شكله |
فر إذن بعضك من بعض |
|
كونك في صلب أبينا الذي |
أهبطنا جمعا إلى الأرض |
انتهى ما أورده صاحب العقد.
وقال عبد الله بن المعتز:
وزائر زارني ثقيل |
ينصر هميِّ على سروري |
|
أوجع للقلب من غريم |
ظلّ ملحاً على فقير |
|
ومن خراج في جسم ملقىً |
يمخض مخضاً على بعير |
|
بغير زاد ولا شراب |
ولا حميم ولا عشير |
وفي كتاب: نزهة النُّدماء قال بختيشوع للمأمون: يا أمير المؤمنين: لا تجالس الثقيل فإنّ الثقيل حمى الروح.
وقال الأصمعيُّ: ليس في الدنيا أعمى إلا ثقيل ولا أحدب إلا خفيف.
وقال بعضهم في أعمى:
كيف يرجو الصديق منه حياءً |
ومكان الحيا منه خراب |
|
وقال آخر:
وثقيل أشد من غصص المو |
ت ومن شدة العذاب الأليم |
|
لو عصت ربها الجحيم لما كا |
ن سواه عقوبة للجحيم |
وقال الحظيري في ثقيل بارد الغناء:
وأبله إن شدا فأبرد من |
ثلج ويحكي الجبال في الثقل |
|
لا تنكروا برده مع الثقل |
المخارج إن الثلوج في الجبل |
وفي تاريخ ابن النجار، عن طريق الرياشي، عن الأصمعي، عن أبي عمرو بن العلاء قال: قيل للأحنف بن قيس: ما ألذ المجالس؟ قال: ما سافر فيه البصر، وأبدع فيه البدن، وكثرت فيه الفائدة، وعدم فيه الثقيل. وقال نصر بن أحمد الخبز أرزي:
شكوت جلوس إنسانٍ ثقيلٍ |
فجاوبني بمن هو منه أثقل |
|
فكنت كمن شكا الطاعون يوماً |
فزادوه مع الطاعونِ دُمَّل |
وفي تاريخ ابن النجار عن علي بن الفضيل بن عياض أن رجلاً سأله، وقد كُفَّ بصره، كيف وجدت ذهاب بصرك؟
قال: أصبت فيه راحتين: غضُّهما عن محارم اللهِ عز وجل، ولا أنظر إلى ثقيلٍ!.
وقال أبو حاتم السجستاني:
إن الثقيل فراقه لك راحة |
ومن العناء حديثه ولقاؤه |
|
وقال العَّباس بن الأحنف - أورده الخرائطيُّ في مكارم الأخلاق -:
أما والذي أسرى بليلٍ بعبده |
وأنزل فرقاناً وأوحى إلى النحل |
|
لقد ولدت حواء منك بلية |
عليّ أقاسيها وثقلاً من الثقل |
وقال مجير الدين بن تميم:
ما حيلتي في ثقيل قد بليت به |
من قبح صورته يستحسن الرمد |
|
قد زارني الثقل حتى ما يقاربه |
في ثقله أحد كلا ولا أحد |
وروى الحافظ المنذري في تاريخه بسنده عن داود الطائي قال: كان الأعمش إذا رأى ثقيلا شرب الماء وقال: النظر إلى وجه الثقيل حمى نافض، والحمى من فيحِ جهنم فأبردها بالماء. وقال أبو بكر الأنباري في أماليه: أنشدنا محمد بن المرزبان:
إنَّ نفسي إذا عتبت عليها |
كان عندي لها عذاب شديد |
|
كان عندي لها جلوس إلى |
أثقل شخص على البلاد يرود |
|
من لو آن الجبان تدنو إليه |
لرأيت الجبال منه تميد |
|
من لو آني جليسه كنت في |
الجنة قلت: الخروج منها أريد |
وأنشدنا محمد بن المرزبان:
وثقيل جليسه في سياقٍ |
ساعة منه مثل يوم الفراق |
|
ليت أني كما أراه يراني |
فيلاقي من ثقله ما ألاقي |
وقال أبو المعالي محمد بن الحسن بن حمدون، صاحب التذكرة في ثقيلٍ أقرع:
يا خفيف الرأس والعقل معاً |
وثقيل الروح أيضا والبدن |
|
تدّعي أنك مثلي طيِّبٌ |
طيِّبٌ أنت ولكن باللبن |
وقال أبو عبد الله محمد بن مزاح الأزديُّ:
لنا صديق زائد ثقله |
فظِفره كالجبل الراسي |
|
تحمل منه الأرض أضعاف ما |
تحمله من سائر الناس |
وقال بعض الأندلسيين:
ليس بإنسان ولكنّه |
يحسبه الناس من الناس |
|
اتقل في أنفس إخوانه |
من جبل راس على راسي |
وقال درست البغداديّ الشاعر:
لي جيرانُ ثقال كلُّهم |
وإذا خفُّوا فهم مثل الرصاص |
|
قلت كما قيل لي قد غضبوا |
غضبُ الخيل على اللجُّم الدلاص |
وقال عبد الحميد بن الوزير أبي القاسم المغربي
لقيت من الدنيا أموراً ثلاثةً |
ولو كان منها واحد لكفانيا |
|
تكُّدر عيش المرء بعد صفائه |
وهجر خليل كان للهجر قاليا |
|
وثالثةٌ تنسي الأحاديث كلها |
ثقيل إذا أبعدت عنه أتانيا |
وقال أبو الحسن الباخرزي في ثقيل:
يا أثقل الناس يا من لو قبلت |
من الكفار أكثر أنواع الخطيَّات |
|
ما خفت والله رجحانا لمعصيتي |
لو كنت وحدك في ميزان خيراتي |
وقال بعضهم في ثقيلٍ - أورد اليغموريّ في تذكرته -:
بحقِّ اللّه متعني |
من وجهك بالبعد |
|
فما أشوقني منك |
إلى الهجران والصدِّ |
|
فما تصلح للهزل |
ولا تصلح للجدِّ |
|
وماذا فيك من ثقل |
وماذا فيك من بَرد |
|
فلا صُبِّحتَ بالخير |
ولا مُسِّيتَ بالسعد |
وفي التذكرة المذكرة: قال الشيخ جمال الدين أبو الربيع سليمان بن محمد بن سليمان بن علي بن شبيل النحوي: أخبرني الأديب عبد الله بن محمد الإسحاقي قال: كنت يوما عند الأديب أبي بكر بن أحمد العيدي، وقد دخل عليه جماعة فأطالوا القعود عنده، فأملى عليّ:
من مجيري من الجبال الراوسي |
شغلوني وضيقوا أنفاسي |
|
آنسوني بالقرب منهم وما |
الوحشة إلا في ذلك الإيناس |
وقال اليغموري: وأنشدني الأديب ناصر الدين أبو علي الحسن بن شاور بن طرخان، ابن النقيب الكناني لنفسه:
وجاهلٍ فيه ثقل مع جهالته |
فما يفيد سوى الإبرام إذ يفد |
|
قد زاد في الثقل حتَّى لا يوازنه |
في ثقله أحدٌ كلاَّ ولا أحد |
وقال سيف الدين المشد:
وجاهل كالجبل الراسي |
أثقل من حمى وإفلاس |
|
وقال البهاء زهير:
كلما قلنا حلونا |
جاءنا الشيخ الإمام |
|
فاعترانا كلنا منه |
انقباض واحتشام |
|
فهو في المجلس فدم |
ولنا فهو فدام |
|
وعلى الجملة فالشيخ |
ثقيلُ والسَّلام |
وقال أيضاً:
لك مجلس ما رمت فيه خلوةً |
إلاَّ أتاح الله كلَّ ثقيل |
|
فكأنه قلبي لكلِّ صبابةٍ |
وكأنه سمعي لكل عذول |
وقال أيضاً:
وثقيل ما برحنا |
نتمنى البعد عنه |
|
غاب عنَّا ففرحنا |
جاءنا أثقل منه |
وقال علي بن عبد الرحمن بن أبي البشر الصقلي:
وجليس قد شنينا شخصه |
مذ عرفناه ملحا مبرما |
|
ثقل الوطأة في زورته |
ثم ما ودَّع حتى سلَّما |
وقال أيضا في مغن ثقيلٍ:
قلت حقِّق ما تغنِّيه |
فقد غيّرت حسّك |
|
قال غنَّيت ثقيلاً |
قلت قد غنَّيت نفسك |
وقال حنش:
أبرزخُ قد فديتك من ثقيلٍ |
فظلُّك حين يوزن ظل فيل |
|
وقال آخرُ:
أنت يا هذا ثقيل |
وثقيل وثقيل |
|
أنت في المنظر إنسا |
ن وفي الميزان فيل |
وللشيخ شهاب الدين المنصوري في ثقيلٍ:
لو كان آدم عالم غيباً بأن |
ستكون من أولاده فيما غبر |
|
لأبان حوَّا بالطلاق حقيقةً |
وأبي لأجلك أن يكون أبا البشر |
ولبعضهم:
وثقيل قال: صفني |
قلت: ما فيك أصف |
|
كل ما فيك ثقيل |
خف عني وانصرف |
ولبعضهم:
يا بغيض ابن البغيض |
أخو البغيض ابن البغيضه |
|
يا ليت أمك لم تلدك |
وكنت في الأرحام حيضه |
قال الإمام الحافظ أبو شامة:
كان السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب مع غلامٍ له يسمى عبيداً في بيت بمدينة حماة يوم الزَّلزلة، فوقعت المدينة بأسرها سوى ذلك البيت الذي هما فيه، وكان عبيد المذكور موصوفاً بالثقالة، فقال الشاعر المسمى بالعرقلة:
قل لصلاح الدين ربِّ الندا |
بلغ عبيداً كُلَّما أمَّله |
|
بثقله لما تصاحبتما |
سلَّمك الله من الزَّلزلة |
والحمد لله وحده.