الأحد، 4 ديسمبر 2022

من اول انهزام الحملة الصليبية الخامسة واستعادة المسلمين دمياط . العام الهجري : 618 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1221.

انهزام الحملة الصليبية الخامسة واستعادة المسلمين دمياط . العام الهجري : 618 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1221
تفاصيل الحدث:

اشتَدَّ القتال بين الفرنج والمسلمين برًّا وبحرًا، وقد اجتمع من الفرنج والمسلمين ما لا يعلم عددهم إلا الله، هذا والرسُل تتردد من عند الفرنج في طلب الصلحِ بشروط: منها أخذ القدس وعسقلان وطبرية، وجبلة واللاذقية، وسائر ما فتحه السلطان صلاحُ الدين من بلاد الساحل، فأجابهم الملوك إلى ذلك، ما خلا الكرك والشوبك، فأبى الفرنجُ، وقالوا: لا نسَلِّم دمياط حتى تسلِّموا ذلك كله فرضي الكامل، فامتنع الفرنج، وقالوا: لا بد أن تعطونا خمسمائة ألف دينار، لنعمر بها ما خربتم من أسوار القدس، مع أخْذِ ما ذكر من البلاد، وأخذ الكرك والشوبك أيضًا، فاضطر المسلمون إلى قتالهم ومصابرتِهم، وعبَرَ جماعة من المسلمين في بحر المحلة إلى الأرض التي عليها معسكر الفرنج، وفتحوا مكانًا عظيمًا في النيل، وكان وقتَ قوة زيادة النيل، والفرنج لا معرفةَ لهم بحال أرض مصر، ولا بأمر النيل، فلم يشعر الفرنج إلا والماء قد غرق أكثر الأرض التي هم عليها، وصار حائلًا بينهم وبين دمياط، وأصبحوا وليس لهم جهة يسلكونها، سوى جهةٍ واحدة ضيقة، فأمر السلطانُ في الحال بنصب الجسور وعبَرَت العساكر الإسلامية عليها، وملكت الطريق التي تسلكها الفرنجُ إلى دمياط، فانحصروا من سائر الجهات، وقَدَّر الله سبحانه بوصول فرقةٍ عظيمة في البحر للفرنج، وحولها عدةُ حراقات تحميها، وسائرها مشحونة بالميرة والسلاح، وسائر ما يحتاج إليه، فأوقع بها شواني الإسلام، وكانت بينهما حربٌ، أنزل الله فيها نصره على المسلمين، فظَفِروا بها وبما معها من الحراقات، ففتَّ ذلك في عضد الفرنج، وألقِيَ في قلوبهم الرعب والذلة، بعدما كانوا في غاية الاستظهار والعنت على المسلمين، وعلموا أنهم مأخوذون لا محالة، فأجمعوا أمرهم على مناهضة المسلمين؛ ظنًّا منهم أنهم يصلون إلى دمياط، فخَرَّبوا خيامهم ومجانيقَهم، وعزموا على أن يحطموا حطمةً واحدة، فلم يجدوا إلى ذلك سبيلًا، لكثرةِ الوحل والمياه التي قد ركبت الأرضَ مِن حولهم، فعجزوا عن الإقامة لقلَّةِ الأزواد عندهم، ولاذوا إلى طلَبِ الصلحِ، وبعثوا يسألون الملك الكامل وأخويه الأشرف والمعظم الأمانَ لأنفُسِهم، وأنهم يسلِّمونَ دمياط بغير عوض، فاقتضى رأيُ الملك الكامل إجابتهم، هذا وقد ضجرت عساكر المسلمين، وملت من طول الحرب، فإنها مقيمة في محاربة الفرنج ثلاث سنين وأشهرًا، وما زال الكامل قائمًا في تأمين الفرنج إلى أن وافقه بقيَّة الملوك على أن يبعث الفرنجُ برهائن من ملوكِهم لا من أمرائهم إلى أن يسَلِّموا دمياط فطلب الفرنجُ أن يكون ابن الملك الكامل عندهم رهينةً، إلى أن تعود إليهم رهائنُهم، فتقَرَّر الأمر على ذلك، وحلف كل من ملوك المسلمين والفرنج، في سابع شهر رجب، وبعث الفرنج بعشرين ملكًا من ملوكهم رهنًا، منهم يوحنا صاحب عكا، ونائب البابا، وبعث الملك الكامل إليهم بابنه الملك الصالح نجم الدين أيوب، وله من العمر يومئذ خمس عشرة سنة، ومعه جماعة من خواصه، وعندما قدم ملوك الفرنج جلس لهم الملك الكامل مجلسًا عظيمًا، ووقف الملوكُ من إخوته وأهل بيته بين يديه، في يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر رجب، فهال الفرنج ما شاهدوا من تلك العظمة وبهاء ذلك الناموس، وقدمت قسوس الفرنج ورهبانهم إلى دمياط، ليسَلِّموها إلى المسلمين، فتسَلَّمها المسلمون في يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر رجب، فلما تسلمها المسلمون قدم في ذلك اليوم من الفرنج نجدة عظيمة، يقال أنها ألف مركب، فعُدَّ تأخُّرُهم إلى ما بعد تسليمِها من الفرنج صنعًا جميلًا من الله سبحانه، وشاهد المسلمون عندما تسلموا دمياط من تحصين الفرنج لها ما لا يمكِن أخذُها بقوة البتة، وبعث السلطان بمن كان عنده في الرهن من الفرنج، وقَدِمَ الملك الصالح ومن كان معه، وتقررت الهدنة بين الفرنج وبين المسلمين مدة ثماني سنين، على أن كلًّا من الفريقين يطلق ما عنده من الأسرى، وحلف السلطان وإخوته وحلف ملوك الفرنج على ذلك، وتفرَّق من كان قد حضر للقتال، فكانت مدة استيلاء الفرنج على دمياط سنة واحدة وعشرة أشهر وأربعة وعشرين يومًا، ثم دخل الملك الكامل إلى دمياط بعساكره وأهله، وكان لدخوله مسرة عظيمة وابتهاج زائد، ثم سار الفرنج إلى بلادهم وعاد السلطان إلى قلعة الجبل في يوم الجمعة ثاني عشر شهر رمضان، ودخل الوزير الصاحب صفي الدين عبد الله بن علي بن شكر في البحر، وأطلق من كان بمصر من الأسرى، وكان فيهم من أُسِرَ من الأيام الصلاحية، وأطلق الفرنج من كان في بلادهم من أسرى المسلمين.




نهب الكرج (الجورجيون، سكان جورجيا) بيلقان .

العام الهجري : 619 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1222
تفاصيل الحدث:

سار الكرج من بلادهم إلى بلاد أران وقصدوا مدينة بيلقان، وكان التتار قد خربوها، ونهبوها فلما سار التتر إلى بلاد قفجاق عاد من سلم من أهلها إليها، وعَمَروا ما أمكنهم عمارته من سورها، فبينما هم كذلك إذ أتاهم الكرج ودخلوا البلد وملكوه، وكان المسلمون في تلك البلاد ألِفُوا من الكرج أنهم إذا ظفروا ببلد صانعوه بشيء من المال فيعودون عنهم، فكانوا أحسن الأعداء مقدرةً، فلما كانت هذه الدفعة ظن المسلمون أنهم يفعلون مثل ما تقدم، فلم يبالغوا في الامتناعِ منهم، ولا هربوا من بين أيديهم، فلمَّا ملك الكرج المدينة وضعوا السيف في أهلِها، وفعلوا من القتل والنهب أكثَرَ مما فعل بهم التتر، هذا جميعُه يجري، وصاحب بلاد أذربيجان أوزبك بن البهلوان بمدينة تبريز، ولا يتحرك في صلاح، ولا يتجه لخير، بل قد قنع بالأكل وإدمان الشرب والفساد.



حج مسعود بن أقسيس صاحب اليمن وما فعله في مكة .

العام الهجري : 619 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1223
تفاصيل الحدث:

حج الملك مسعود بن أقسيس بن الكامل صاحب اليمن، فبدت منه أفعال ناقصة بالحرمِ مِن سُكرٍ ورَشقِ حمامِ المسجِدِ بالبندق من أعلى قبَّة زمزم، وكان إذا نام في دار الإمارة يُضرَبُ الطائفون بالمسعى بأطرافِ السيوف لئلَّا يشوشوا عليه، وهو نوم سكر، وكان مع هذا كله مهيبًا محترمًا والبلاد به آمنة، وقد كاد يرفع سنجق أبيه يوم عرفة على سنجق الخليفة، فيجري بسبب ذلك فتنة عظيمة.



الملك المسعود صاحب اليمن يستولي على مكة وينهب أهلها .

العام الهجري : 620 العام الميلادي : 1223
تفاصيل الحدث:

سار صاحب اليمن الملك المسعود أقسيس بن الملك الكامل محمد، صاحب مصر، إلى مكة وصاحبها حينئذ حسن بن قتادة بن إدريس، العلوي الحسيني، قد ملكها بعد أبيه، وكان حسن قد أساء إلى الأشراف والمماليك الذين كانوا لأبيه، وقد تفرقوا عنه، ولم يبق عنده غيرُ أخواله من غيره، فوصل صاحب اليمن إلى مكة، ونهبها عسكرُه إلى العصر، حتى أخذوا الثيابَ عن الناس، وأفقَروهم، وأمر صاحب اليمنِ أن ينبش قبر قتادة الأمير السابق ويُحرَق، فنبشوه، فظهر التابوت الذي دفنه ابنه الحسَنُ والناس ينظرون إليه، فلم يَرَوا فيه شيئًا، فعلموا حينئذ أن الحسَنَ دفَنَ أباه سرًّا، وأنه لم يجعل في التابوت شيئًا، وذاق الحسَنُ عاقبةَ قطيعة الرحم، وعجَّلَ الله مقابلته، وأزال عنه ما قَتَلَ أباه وأخاه وعمه لأجله.



وفاة الإمام فخر الدين ابن عساكر الشافعي .

العام الهجري : 620 العام الميلادي : 1223
تفاصيل الحدث:

هو الشيخ الإمام العالم القدوة المفتي شيخ الشافعية: فخر الدين، أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الدمشقي، الشافعي. ولد سنة 550, وسمع من عميه؛ الصائن والحافظ، وتفقه على قطب الدين مسعود النيسابوري، وتزوج بابنته، وجاءه ولد منها، سماه مسعودًا. درَّس بالجاروخية، ثم بالصلاحية بالقدس، وبالتقوية بدمشق، فكان يقيم بالقدس أشهرًا، وبدمشق أشهرًا، وكان عنده بالتقوية فضلاء البلد، حتى كانت تُسمى نظامية الشام، ثم درس بالعذراوية سنة 593، وكان فخر الدين لا يَملُّ الشخص من النظر إليه، لحسن سمته، ونور وجهِه، ولطفه، واقتصاده في ملبسِه، وكان لا يفتُرُ من الذكر، استدعاه الملك العادل بعد ما عزل قاضيه ابن الزكي فأجلسه إلى جانبه وقت السماط، وسأل منه أن يلي القضاء بدمشق، فقال حتى أستخير الله تعالى، ثم امتنع من ذلك فشَقَّ على السلطان امتناعه، وهم أن يؤذيَه فقيل له: احمدِ الله الذي في بلادك مثل هذا, وكان قد خاف أن يُكرَه، فجهز أهله للسفر، وخرجت المحابر- طلبة العلم الذين يستملون- إلى ناحية حلب، فردها العادل، وعزَّ عليه ما جرى. قال أبو شامة: كان فخر الدين يتورع من المرور في زقاق الحنابلة لئلَّا يأثموا بالوقيعة فيه؛ وذلك لأن عوامهم يبغضون بني عساكر؛ لأنهم كانوا أعيان الشافعية الأشعرية" لما توفي الملك العادل وأعاد ابنه المعظم الخمور أنكر عليه الشيخ فخر الدين، فبقي في نفسِه منه، فانتزع منه تدريس التقوية، ولم يبق معه سوى الجاروخية ودار الحديث النورية ومشهد ابن عروة، كان زاهدًا عابدًا ورعًا، منقطعًا إلى العلم والعبادة، حسَنَ الأخلاق، قليل الرغبة في الدنيا، وقلَّ من تخلف عن جنازته. قال أبو شامة: "أخبرني من حضره قال: صلى الظهر، وجعل يسأل عن العصر، وتوضَّأ، ثم تشهد وهو جالس، وقال: رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ نبيًّا، لقنني اللهُ حُجَّتي، وأقالني عثرتي، ورَحِمَ غُربتي، ثم قال: وعليكم السلام، فعلمنا أنَّه حضرت الملائكة، ثم انقلب ميتًا، غسله الفخر بن المالكي، وابن أخيه تاج الدين، وكان مرضه بالإسهال، وصلى عليه أخوه زين الأمناء، ومن الذي قدر على الوصول إلى سريره" وقال عمر بن الحاجب: "هو أحد الأئمة المبرزين، بل واحدهم فضلًا وقدرًا، شيخ الشافعية، كان زاهدًا ثقةً مجتهدًا، غزير الدمعة، حسنَ الأخلاق، كثير التواضع، قليل التعصُّب، سلك طريق أهل اليقين، وكان أكثر أوقاته في بيته في الجامع، ينشُرُ العلم، وكان مطرح الكلف، عرضت عليه مناصب فتركَها، ولد في رجب وتوفي فيه، وعاش سبعين سنة، وكان الجمع لا ينحصر كثرةً في جنازته، حدث بمكة ودمشق والقدس، وصنف عدة مصنفات". وقال القوصي: "كان كثير البكاء، سريع الدموع، كثير الورع والخشوع، وافر التواضع والخضوع، كثير التهجد، قليل الهجوع، مبرزًا في علمي الأصول والفروع، وعليه تفقهتُ وعرضت عليه (الخلاصة) للغزالي"، ودفن عند شيخه قطب الدين مسعود النيسابوري.



حرب بين المسلمين والكرج (الجورجيون، سكان جورجيا) بأرمينية .

العام الهجري : 620 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1223
تفاصيل الحدث:

سار شهاب الدين غازي بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب صاحب قلعة سرماري، وهي من أعمال أرمينية إلى خلاط، لأنه كان في طاعة صاحب خلاط، فحضر عنده، واستخلف ببلده أميرًا من أمرائه، فجمع هذا الأمير جمعًا وسار إلى بلاد الكرج، فنهب منها عدة قرى وعاد، فسمعت الكرج بذلك، فجمع صاحب دوين، واسمه شلوة، وهو من أكابر أمراء الكرج، عسكره وسار إلى سرماري فحصرها أيامًا، ونهب بلدها وسوادها ورجع، فسمع صاحب سرماري شهاب الدين الخبر، فعاد إلى سرماري، فوصل إليها في اليوم الذي رحل الكرج عنها، فأخذ عسكره وتبعهم، فأوقع بساقتهم، فقتل منهم وغنم، واستنقذ بعض ما أخذوا من غنائم بلاده، ثم إن صاحب دوين جمع عسكره وسار إلى سرماري ليحصرها، فوصل الخبَرُ إلى شهاب الدين بذلك، فحَصَّنها، وجمع الذخائر وما يحتاج إليه، فأتاه من أخبره أن الكرج نزلوا بوادي بني دوين وسرماري، وهو وادي ضيق، فسار بجميع عسكره جريدة –الجريدة: خَيْلٌ لا رَجَّالة فيها- وجَدَّ السير ليكبس الكرج، فوصل إلى الوادي الذي هم فيه وقت السحر، ففرق عسكره فرقتين: فرقةً من أعلى الوادي، وفرقة من أسفله، وحملوا عليهم وهم غافلون، ووضعوا السيف فيهم، فقتلوا وأسروا، فكان في جملة الأسرى شلوة أمير دوين، في جماعة كثيرة من مقدميهم، ومن سلم من الكرج عاد إلى بلدهم على حال سيئة، ثم إن ملك الكرج أرسل إلى الملك الأشرف موسى بن العادل، صاحب ديار الجزيرة، وهو الذي أعطى خلاط وأعمالها الأمير شهاب الدين، يقول له: كنا نظن أننا صلح، والآن فقد عمل صاحب سرماري هذا العمل، فإن كنا على الصلح فنريد إطلاق أصحابنا من الأسر، وإن كان الصلح قد انفسخ بيننا فتعرفنا حتى ندبِّر أمرنا، فأرسل الأشرف إلى صاحب سرماري يأمره بإطلاق الأسرى وتجديد الصلح مع الكرج، ففعل ذلك واستقرت قاعدة الصلح، وأُطلق الأسرى.



وفاة الإمام العلامة موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي .

العام الهجري : 620 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1223
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامة البارع الفقيه أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر المقدسي، الجماعيلي، الدمشقي، الصالحي، الحنبلي، صاحب (المُغني). ولد بجماعيل، من عمل نابلس، في شعبان سنة 541. صاحب كتاب المغني المشهور في المذهب الحنبلي، قدم مع أهله إلى دمشق في سنة إحدى وخمسين، وهو ابن عشر سنوات ومعه ابن خاله الحافظ عبد الغني, وقرأ القرآن وسمع الحديث الكثير، ورحل مرتين إلى العراق إحداهما مع الحافظ عبد الغني، فأدركا نحو أربعين يومًا من جنازة الشيخ عبد القادر، فنزلا عنده بالمدرسة، واشتغلا عليه تلك الأيام، وسمعا منه، تفقه ببغداد على مذهب الإمام أحمد، وبرع وأفتى وناظر وتبحَّر في فنون كثيرة، مع زهد وعبادة، وورع وتواضع وحسن أخلاق، وجودٍ وحياء وحسن سمت وكثرة تلاوة، وصلاة وصيام وقيام، وطريقة حسنة واتباع للسلف الصالح، فكان عالم أهل الشام في زمانه. قال ابن النجار: "كان إمام الحنابلة بجامع دمشق، وكان ثقة حجة، نبيلًا، غزير الفضل، نزهًا، وَرِعًا، عابدًا، على قانون السلف، عليه النور والوقار، ينتفع الرجل برؤيته قبل أن يسمع كلامَه", وقال عمر بن الحاجب: "هو إمام الأئمة، ومفتي الأمة، خصه الله بالفضل الوافر، والخاطر الماطر، والعلم الكامل، طنَّت بذكره الأمصار، وضَنَّت بمثله الأعصار، أخذ بمجامع الحقائق النقلية والعقلية...، إلى أن قال: وله المؤلفات الغزيرة، وما أظن الزمان يسمح بمثله، متواضع، حسن الاعتقاد، ذو أناة وحلم ووقار، مجلسه معمور بالفقهاء والمحدثين، وكان كثير العبادة، دائم التهجد، لم نرَ مثله، ولم ير مثل نفسِه". عمل الشيخ الضياء (سيرته) في جزأين، فقال: "كان تام القامة، أبيض، مشرق الوجه، أدعج، كأن النور يخرج من وجهه لحسنه، واسع الجبين، طويل اللحية، قائم الأنف، مقرون الحاجبين، صغير الرأس، لطيف اليدين والقدمين، نحيف الجسم، ممتَّعًا بحواسه". وقال الضياء: "سمعت المفتي أبا بكر محمد بن معالي بن غنيمة يقول: ما أعرف أحدًا في زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلا الموفق, وسمعت الحافظ أبا عبد الله اليونيني يقول: أما ما علمته من أحوال شيخنا وسيدنا موفق الدين، فإنني إلى الآن ما أعتقد أن شخصًا ممن رأيته حصل له من الكمال في العلوم والصفات الحميدة التي يحصل بها الكمال سواه؛ فإنه كان كاملًا في صورته ومعناه من حيث الحسن، والإحسان، والحلم والسؤدد، والعلوم المختلفة، والأخلاق الجميلة، رأيت منه ما يعجز عنه كبار الأولياء، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أنعم اللهُ على عبدٍ نعمةً أفضل من أن يلهِمَه ذِكْرَه)), فقلت بهذا: إن إلهام الذكر أفضل من الكرامات، وأفضل الذكر ما يتعدى إلى العباد، وهو تعليمُ العلم والسنة، وأعظمُ من ذلك، وأحسن ما كان جبلة وطبعًا، كالحلم، والكرم، والعقل، والحياء، وكان الله قد جبله على خُلق شريف، وأفرغ عليه المكارم إفراغًا، وأسبغ عليه النعم، ولطف به في كل حال. قال الضياء: كان الموفَّق لا يناظر أحدًا إلا وهو يتبسم, وقيل: إن الموفق ناظر ابن فضلان الشافعي الذي كان يُضرَبُ به المثل في المناظرة، فقطَعَه. وبقي الموفق يجلسُ زمانًا بعد الجمعة للمُناظرة، ويجتمع إليه الفقهاء، وكان يشغلُ إلى ارتفاع النهار، ومن بعد الظهر إلى المغرب ولا يضجر، ويسمعونَ عليه، وكان يقرئُ في النحو، وكان لا يكاد يراه أحد إلا أحبَّه, وما علمت أنه أوجع قلبَ طالب، وكانت له جارية تؤذيه بخُلُقِها، فما يقول لها شيئًا، وأولاده يتضاربون وهو لا يتكلم, وسمعت البهاءَ يقول: ما رأيتُ أكثر احتمالًا منه." كان يؤمُّ الناس للصلاة في محراب الحنابلة هو والشيخ العماد، فلما توفي العماد استقل هو بالوظيفة، وله مصنفات عديدة مشهورة، أشهرها المغني في شرح مختصر الخرقي، والكافي في الفقه الحنبلي، والمقنع للحفظ، والروضة في أصول الفقه، وغير ذلك من التصانيف المفيدة، وكانت وفاته في يوم عيد الفطر، وقد بلغ الثمانين، وكان يوم سبت وحضر جنازته خلق كثير، ودفن بتربته المشهورة، ورئيت له منامات صالحة رحمه الله تعالى. كان له أولاد ذكور وإناث، ماتوا في حياته, ولم يعقب منهم سوى ابنه عيسى ولد له ولدان ثم ماتا وانقطع نسله.



وفاة المنتصر بالله أبي يعقوب يوسف المؤمني صاحب المغرب .

العام الهجري : 620 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1223
تفاصيل الحدث:

هو المنتصر بالله- وقيل المستنصر بالله أبو يعقوب يوسف بن محمد الناصر بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي. ولد سنة 594، وأمه أم ولد، اسمها قمر الرومية، وكان يشبه بجَدِّه. تولى الملك بعد وفاة أبيه يقول الذهبي: "فملكوه وله ست عشرة سنة، فضيعوا أمرَ الأمة، وكان بديع الحسن، بليغ المنطق، غارقًا في وادي اللهو والبطالة" فغلب عليه وزراؤه واشتغل المنتصرُ بما يستهويه, وفي عهده استولى الأسبان في الأندلس على المعاقل التي كانت للموحِّدين، وكانت في عهده هزائم أخرى أشهرها العقاب في الأندلس، وبدأت دولته في عصره بالهرم، ثم إن المنتصر ظل مقيمًا في مراكش إلى أن توفي ولم يخلف ولدًا، فبويع بعده عم أبيه عبد الواحد بن يوسف الملقب بالمخلوع، لكِبَرِ سنه ووفور عقلِه، فلم يُحسِن التدبير، ولا دارى أهل دولته فخلعوه وخنَقوه بعد تسعة أشهر من ولايته. وبويع ابن أخيه عبد الله العادل بن يعقوب المنصور.


غياث الدين بن خوارزم يمتلك بلاد فارس .

العام الهجري : 621 العام الميلادي : 1224
تفاصيل الحدث:

كان غياث الدين بن خوارزم شاه محمد بالري، وله معها أصفهان وهمذان وما بينهما من البلاد، وله أيضًا بلادُ كرمان، فلما هلك أبوه، وصل التترُ إلى بلاده، وامتنع بأصفهان، وحصره التترُ فيها فلم يقدروا عليها، فلما فارق التتر بلادَه، وساروا إلى بلاد قفجاق، عاد ملك البلاد وعَمَر ما أمكَنَه منها، وأقام بها إلى أواخر سنة 620، فسار إلى بلاد فارس فلم يشعُرْ صاحبُها، وهو أتابك سعد بن دكلا، إلا وقد وصل غياث الدين إلى أطراف بلاده، فلم يتمكن من الامتناع، فقصد قلعة إصطخر فاحتمى بها، وسار غياث الدين إلى مدينة شيراز، وهي كرسيُّ مملكة فارس، وأكبَرُها وأعظَمُها، فملكها بغير تعبٍ هذه السنة، وبقي غياث الدين بها، واستولى على أكثر البلاد، ولم يبقَ بيد سعد إلا الحصونُ المنيعة، فلما طال الأمرُ على سعد صالحَ غياثَ الدين على أن يكون لسعد من البلاد قَسمٌ اتفقوا عليه، ولغياث الدين الباقي، وأقام غياث الدين بشيراز، وازداد إقامةً وعزمًا على ذلك لَمَّا سمع أن التتر قد عادوا إلى الريِّ والبلاد التي له وخرَّبوها.



عود طائفة من التتار إلى الري وهمذان وغيرهما .

العام الهجري : 621 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1224
تفاصيل الحدث:

أول هذه السنة وصلت سرية للريِّ من التتر من عند مَلكِهم جنكيزخان، وهؤلاء غيرُ الطائفة الغربية، وكان من سَلِمَ من أهلها قد عادوا إليها وعَمَروها، فلم يشعروا بالتتر إلا وقد وصلوا إليها، فلم يمتَنِعوا عنهم، فوضعوا في أهلها السيفَ وقتلوهم كيف شاؤوا، ونهبوا البلد وخَرَّبوه، وساروا إلى ساوة ففعلوا بها كذلك، ثمَّ إلى قم وقاشان، وكانتا قد سَلِمَتا من التتر أولًا، فإنَّهم لم يقربوهما، ولا أصاب أهلَهما أذًى، فأتاهما هؤلاء وملكوهما، وقتلوا أهلَهما، وخَرَّبوها، وألحقوهما بغيرِهما من البلاد الخراب، ثم ساروا في البلادِ يُخرِبون ويقتلون وينهَبون، ثم قصدوا همذان، وكان قد اجتمع بها كثيرٌ ممن سَلِمَ من أهلها، فأبادوهم قتلًا وأسرًا ونهبًا، وخرَّبوا البلد، وكانوا لَمَّا وصلوا إلى الريِّ رأوا بها عسكرًا كثيرًا من الخوارزمية، فكَبَسوهم وقتلوا منهم، وانهزم الباقون إلى أذربيجان، فنزلوا بأطرافِها، فلم يَشعُروا إلا والتترُ أيضًا قد كبسوهم ووضعوا السيفَ فيهم، فولوا منهزمين، فوصل طائفةٌ منهم إلى تبريز، وأرسلوا إلى صاحِبِها أوزبك بن البهلوان يقولون: إن كنتَ موافِقَنا فسَلِّمْ إلينا من عندك من الخوارزمية، وإلا فعرفنا أنك غير موافقٍ لنا، ولا في طاعتِنا، فعمد إلى من عنده من الخوارزمية فقتل بعضَهم وأسر بعضهم، وحمل الأسرى والرؤوس إلى التتر، وأنفذ معها من الأموال والثياب والدواب شيئًا كثيرًا، فعادوا عن بلاده نحو خراسان، فعلوا هذا وليسوا في كثرة، كانوا نحو ثلاثة آلاف فارس، وكان الخوارزمية الذين انهزموا منهم نحو ستة آلاف راجل، وعسكر أوزبك أكثرُ من الجميع، ومع هذا فلم يحَدِّثْ نَفسَه ولا الخوارزمية بالامتناع منهم.



حصر الكرج (الجورجيون، سكان جورجيا) مدينة كنجة .

العام الهجري : 622 العام الميلادي : 1225
تفاصيل الحدث:

سارت الكرج (وهم قوم كفار) في جموعِها إلى مدينة كنجة من بلاد أران قصدًا لحصرها، وأعتَدُوا لها بما أمكنهم من القوة؛ لأن أهل كنجة كثيرٌ عددهم، قويةٌ شوكتُهم، وعندهم شجاعةٌ كثيرة من طول ممارستهم للحرب مع الكرج، فلما وصلوا إليها ونازلوها قاتلوا أهلها عدة أيام من وراء السور، لم يظهر من أهلها أحد، ثم في بعض الأيام خرج أهل كنجة ومن عندهم من العسكر من البلد، وقاتلوا الكرج بظاهر البلد أشدَّ قتال وأعظَمَه، فلما رأى الكرج ذلك علموا أنهم لا طاقةَ لهم بالبلد، فرحلوا بعد أن أثخن أهل كنجة فيهم، {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} [الأحزاب: 25]



خلع ابن شروان شاه لأبيه وظفر الأبن بالكرج (جورجيا) .

العام الهجري : 622 العام الميلادي : 1225
تفاصيل الحدث:

ثار على شروان شاه ولده فنزع منه الملك، وأخرجه من البلاد، ومَلَك بعده، وسبب ذلك أن شروان شاه كان سيئ السيرة، كثيرَ الفساد والظلم، يتعرض لأموال الرعايا وأملاكهم، وقيل أيضًا: إنه كان يتعرض للنِّساء والولدان، فاشتدت وطأتُه على الناس، فاتفق بعضُ العسكر مع ولده، وأخرجوا أباه من البلاد، وملك الابن وأحسن السيرة، فأحبه العساكر والرعيَّة، وأرسل الولد إلى أبيه يقول له: إني أردتُ أن أتركك في بعض القلاعِ وأجري لك الجرايات الكثيرة، ولكلِّ مَن تحب أن يكون عندك، والذي حملني على ما فعلتُ معك سوءُ سيرتك وظُلمُك لأهل البلاد، وكراهيتُهم لك ولدولتك, فلما رأى الأب ذلك سار إلى الكرج، واستصرخ بهم وقرَّرَ معهم أن يرسلوا معه عسكرًا يعيدونَه إلى ملكه، ويعطيهم نصفَ البلاد، فسيروا معه عسكرًا كثيرًا، فسار حتى قارب مدينة شروان، فجمع ولدُه العسكر، فخرج في عسكره، وهم قليل، نحو ألف فارس، ولقوا الكرجَ وهم في ثلاثة آلاف مقاتل، فالتقوا واقتتلوا، وصبَرَ أهل شروان، فانهزم الكرج، فقُتِلَ كثير منهم، وأُسِرَ كثير، ومن سلم عاد بأسوأ حال، وشروان شاه المخلوع معهم، فتشاءم الكرجُ منه فطردوه عن بلادِهم، واستقَرَّ ابنه في الملك، واغتبط الناسُ بولايته.



محاصرة الكرج (الجورجيون، سكان جورجيا) لأذربيجان .

العام الهجري : 622 العام الميلادي : 1225
تفاصيل الحدث:

سار جمع من الكرج الكفار من تفليس يقصدون أذربيجان والبلاد التي بيد أوزبك بن البهلوان، فنزلوا وراء مضيقٍ في الجبال لا يسلك إلا للفارس بعد الفارس، فنزلوا آمنين من المسلمين استضعافًا لهم، واغترارًا بحصانة موضعِهم، وأنه لا طريقَ إليهم، وركب طائفةٌ من العساكر الإسلامية وقصدوا الكرج، فوصلوا إلى ذلك المضيق، فجاوزوه مخاطرينَ، فلم يشعر الكرج إلا وقد غَشِيَهم المسلمون ووضعوا فيهم السيفَ فقتلوهم كيف شاؤوا، وولى الباقون منهزمين وأُسرَ منهم جمع كثير، فعظم الأمر عليهم، وعزموا على الأخذ بثأرهم، والجِدِّ في قصد أذربيجان واستئصال المسلمين منه، وأخذوا يتجهَّزون على قدر عَزمِهم، فبينما هم في ذلك إذ وصل إليهم الخبَرُ بوصول جلال الدين بن خوارزم شاه إلى مراغة، فتركوا ذلك وأرسلوا إلى أوزبك، صاحب أذربيجان، يدعونه إلى الموافقة على ردِّ جلال الدين، وقالوا: إن لم نتَّفِق نحن وأنت وإلا أخذك ثمَّ أخَذَنا، فعاجلهم جلال الدين قبل اتفاقِهم واجتماعِهم.



تخلي الموحدين عن إسبانيا وقيام عدة دويلات .

العام الهجري : 622 العام الميلادي : 1225
تفاصيل الحدث:

كانت دولة الموحِّدين قد قَوِيَت أولًا في إسبانيا، ولكنها لم تستطع أن تقف لوحدها في وجه التوسع الصليبي بصورة دائمة، كما لم يدُمْ صمودهم طويلًا إثر ذلك النصر الذي أحرزوه في معركة الأرك سنة 591 فقد جاءت هزيمتهم الماحقة في معركة العقاب سنة 609 على أيدي تحالف ملوك الصليبيين في إيبيريا، والذي نجم عنه انسحاب الموحدين نهائيًّا من إسبانيا وانكماش آخر سلاطينهم إلى المغرب، وضَعْف شوكتهم عمومًا حتى في المغرب. ونشوء إمارات بني مرين في فاس، والحفصيين في تونس، وبني زيان في تلمسان، وبني هود في مرسية بالأندلس.



عودة جنكيزخان إلى منغوليا بعد أن قضى على دولة خوارزم .

العام الهجري : 622 العام الميلادي : 1225
تفاصيل الحدث:

بعد أن قضى جنكيزخان على دول خوارزم شاه وفعل ما فعله من القبائح والرذائل، عاد إلى بلاده وخاصة أنه سمع أنَّه قد ثار عليه فيها البعضُ يريدون إزالتَه من ملكه، فبقي في مسيره ذلك سنتين ووصل إلى بلاده، فاشتغل بإنهاء تلك الثورة، ثم أخلد للراحةِ وممارسة هواية الصيدِ.



وفاة الملك الأفضل علي بن صلاح الدين الأيوبي .

العام الهجري : 622 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1225
تفاصيل الحدث:

هو السُّلطانُ الملك الأفضل علي بن يوسف بن أيوب بن شاذي. ابن السلطان الملك الناصر صلاح الدين، ولد يوم عيد الفطر سنة 565 بالقاهرة، وقيل: سنة ست وستين. وسمع من عبد الله بن بري النحوي، وأبي الطاهر إسماعيل بن عوف الزهري، وأجاز له جماعة. وله شِعر حسن، وترسُّل، وخط مليح. وكان أسنَّ إخوانه، وإليه كانت ولاية عهد أبيه. ولما مات أبوه، كان معه بدمشق، فاستقل بسلطنتها، واستقل أخوه الملك العزيز بمصر، وأخوهما الظاهر بحلب. ثم جرت للأفضل والعزيز فتن وحروب، ثم اتفق العزيز وعمه الملك العادل على الأفضل، وقصدا دمشق، وحاصراه، وأخذاها منه، فالتجأ إلى صرخد، وأقام بها قليلًا، فمات العزيز بمصر، وقام ولده المنصور محمد وهو صبي، فطلبوا له الملك الأفضل ليكون أتابكه، فقدم مصر، ومشى في ركاب الصبي. ثم إن العادل عَمِلَ على الأفضل، وقَدِمَ مصر وأخذها، ودفع إلى الأفضل ثلاثة مدائن بالشرق، فسار إليها، فلم يحصل له سوى سميساط، فأقام بها ولم يزَلْ بها إلى أن توفي بها، وكان خيرًا، وما أحسن ما قال القاضي الفاضل: "أمَّا هذا البيت، فإن الآباء منه اتَّفقوا فمَلَكوا، والأبناء منه اختلفوا فهلكوا". قال الذهبي: "كان فيه تشيُّع". وقد قال ابن الأثير " إنَّه ما ملك الأفضل شيئًا من البلاد إلا وأخذه عمُّه منه، بل ذكر أنه رأى عمودًا من الرخام الفاخر في بيت المقدس فقيل له إنه كان للأفضل، ثم أخذه منه عمه العادل"، ولما مات الأفضل اختلف أولاده وعمهم قطب الدين موسى، ولم يقوَ أحد منهم على الباقين ليستبدَّ بالأمر.



استحواذ جلال الدين بن خوارزم شاه على بلاد أذربيجان .

العام الهجري : 622 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1225
تفاصيل الحدث:

استحوذ جلالُ الدين بن خوارزم شاه على بلاد أذربيجان وكثيرٍ من بلاد الكرج، وكسر الكرجَ وهم في سبعين ألف مقاتل، فقتل منهم عشرين ألفًا من المقاتلة، واستفحل أمره جدًّا وعظم شأنه، وفتح تفليس فقتل منها ثلاثين ألفًا، وقتل من الكرج سبعين ألفًا في المعركة، وقتل من تفليس تمامَ المائة ألف، وقد اشتغل بهذه الغزوة عن قصد بغداد، وذلك أنه لما حاصر دقوقا سبَّه أهلها ففتحها قسرًا وقتل من أهلها خلقًا كثيرًا، وخرب سورها وعزم على قصد الخليفةِ ببغداد؛ لأنه فيما زعم عمل على أبيه حتى هلك، واستولت التتر على البلاد، وكتب إلى المعظَّم بن العادل يستدعيه لقتال الخليفة ويحَرِّضه على ذلك، فامتنع المعظَّم من ذلك، ولما علم الخليفة بقصد جلال الدين بن خوارزم شاه بغداد انزعجَ لذلك وحصن بغداد واستخدم الجيوشَ والأجناد، وأنفق في الناس ألف ألف دينار، وكان جلال الدين قد بعث جيشًا إلى الكرج فكتبوا إليه أن أدرِكْنا قبل أن نهلك عن آخرنا، وبغداد ما تفوتُ، فسار إليهم.



وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله وتولي ابنه الظاهر بأمر الله .

العام الهجري : 622 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1225
تفاصيل الحدث:

هو الخليفة الناصر لدين الله أبو العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله أبي محمد الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي محمد بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي الهاشمي، العباسي، البغدادي. ولد في عاشر رجب، سنة 553.كان أبيض معتدل القامة، تركيَّ الوجه، مليح العينين، أنور الجبهة، أقنى الأنف، خفيف العارضين، أشقر، رقيق المحاسن، نَقشُ خاتمه: رجائي من الله عَفوُه. وبويع في أول ذي القعدة سنة 575، وكانت خلافته ستًّا وأربعين سنة وعشرة أشهر وثمانية وعشرين يومًا، فلم يلِ الخلافةَ أطولَ مدة منه إلَّا ما قيل عن المستنصر بالله العُبيدي، صاحب مصر، فإنَّه ولي ستين سنة، ولا اعتبارَ به، فإنَّه ولي وله سبع سنين، وكذا ولي الأندلس عبد الرحمن الناصر خمسين سنة. كان المستضيء والد الناصر قد تخوَّف منه فحَبَسَه، ومال إلى أخيه أبي منصور، وكان ابن العطار وكبراء الدولة ميلهم إلى أبي منصور، وكانت حظية المستضيء بنفشا والدة الناصر, والمجد بن الصاحب وطائفة مع الناصر، فلما بويع قبض على ابن العطار، وقتله, ثم سحب في الشوارع ميتًا، وطغى ابن الصاحب إلى أن قُتِل. قال الموفق عبد اللطيف: كان الناصر شابًّا مرحًا عنده ميعة الشباب، يشقُّ الدروب والأسواق أكثر الليل، والناس يتهيبون لقياه، وكان الرفضُ قد ظهر بسبب ابن الصاحب، ثم انطفأ بهلاكه وظهر التسنن، ثم زال, وقد خطب الناصر بولاية العهد لولده الأكبر أبي نصر، ثم ضيَّق عليه لما استشعر منه، وعيَّن أخاه، وأخذ خطًّا باعتراف أبي نصر بالعجز، أفسد ما بينهما النصير بن مهدي الوزير، وأفسد قلوب الرعية والجند على الناصر وبَغَّضَه إلى الملوك، وزاد الفساد، ثم قبض على الوزير، وتمكن بخراسان أيام الناصر خوارزمشاه محمد بن تكش وتجبَّرَ واستعبد الملوك وأباد الأمم من الترك والخطا، وظلم وعسف، وقطع خطبة الناصر من بلاده، ونال منه، وقصد بغداد، وجمع الناصرُ الجيش وأنفق الأموال، واستعد، فجاءت الأخبار إلى خوارزمشاه أن التتر قد حشدوا، وطمعوا في بلاده، فكرَّ إليهم وقصدهم فقصدوه وكثروه إلى أن مزَّقوه، وبلبلوا لبَّه وشتتوا شمله، وملكوا الأقطار، وصار أين توجَّه وجد سيوفَهم متحكمة فيه، وتقاذفت به البلاد، فشَرَّق وغرب، وأنجدَ وأسهَل، وأصحَرَ وأجبَلَ، والرعب قد زلزل لبه، فعند ذلك قضى نحبه. وقد جرى له ولابنه جلال الدين منكوبرتي عجائب. قال الموفق: "لم يزل الناصر في عز وقمع الأعداء، ولا خرج عليه خارجيٌّ إلا قمعه، ولا مخالفٌ إلا دمغه، ولا عدوٌّ إلا خُذِل، كان شديد الاهتمام بالمُلك، لا يخفى عليه كبيرُ شيء من أمور رعيته، أصحاب أخباره في البلاد، حتى كأنه شاهد جميعَ البلاد دفعة واحدة، كانت له حِيَل لطيفة، وخُدَع لا يفطِنُ إليها أحد، يوقع صداقةً بين ملوك متعادين، ويوقع عداوةً بين ملوك متوادين ولا يفطِنون. إلى أن قال: ولما دخل رسولُ صاحب مازندران بغداد كانت تأتيه كل صباح ورقة بما فعل في الليل، فصار يبالغ في التكتم، واختلى ليلة بامرأة فصبحته ورقة بذلك، فتحيَّرَ، وخرج لا يرتاب أن الخليفة يعلم الغيب, وجاءه مرة رسول لخوارزم شاه فحبس أشهرًا ثم أعطي عشرة آلاف دينار فذهب وصار مناصحًا للخليفة. وكان الناصرُ إذا أطعم أشبع، وإذا ضرب أوجع. قلت (الذهبي): أظنُّه كان مخدومًا من الجنِّ, وما تحت هذا الفعل طائلٌ، فكلُّ مخدوم وكاهن يتأتى له أضعاف ذلك. قال الموفق عبد اللطيف: وفي وسط ولايته اشتغل بروايةِ الحديث، واستناب نوابًا يروونَ عنه، وأجرى عليهم جراياتٍ، وكتب للملوك والعلماء إجازات، وجمع كتابًا سبعين حديثًا وصل على يد السهروردي إلى حلب فسمعه الظاهر، وجماهير الدولة وشرحته. قلت (الذهبي): ممن يروي عن الناصر بالإجازة عبد الوهاب بن سكينة، وابن الأخضر، وقاضي القضاة ابن الدامغاني، وولي عهده الظاهر بأمر الله, والملك العادل، وبنوه، وشيخانا: محمود الزنجاني، والمقداد القيسي. قال ابن النجار: "شرفني الناصر بالإجازة، ورويت عنه بالحرمين ودمشق والقدس وحلب، وبغداد وأصبهان، ونيسابور ومرو وهمذان", قال الموفق: "وكان الناصرُ قد ملأ القلوب هيبةً وخيفةً، حتى كان يرهبُه أهل الهند، وأهل مصر، فأحيا هيبة الخلافة، لقد كنت بمصر وبالشام في خلوات الملوك والأكابر إذا جرى ذكره خفضوا أصواتَهم إجلالًا له". قال ابن النجار: "دانت السلاطين للناصر، ودخل في طاعتِه مَن كان من المخالفين، وذُلِّلت له العتاة والطغاة، وانقهرت بسيفه الجبابرة، واندحض أعداؤه، وكثُر أنصاره، وفتح البلاد العديدة، ومَلَك من الممالك مالم يملكْه أحد ممن تقدمه من الخلفاء والملوك، وخطب له ببلاد الأندلس وبلاد الصين, وبعث صلاح الدين الأيوبي برايته وترسه للخليفة دليلًا على تبعيته- وكان أسد بني العباس تتصدع لهيبته الجبال، وتذل لسطوته الأقيال، وكان حسن الخلق أطيف الخلق، كامل الظرف، فصيحًا بليغًا، له التوقيعات المسددة والكلمات المؤيدة، كانت أيامه غرة في وجه الدهر، ودرة في تاج الفخر" وكان لا يخلو من قبح السيرة في رعيته، والتعدي على أموالهم، كما اتهم بخراب العراق في أيامه، وأنه هو من أطمع التتار بالبلاد من كثرة ما فعله وما تلهى به، بقي الناصر لدين الله في آخر عمره ثلاث سنين عاطلًا عن الحركة بالكلية، وقد ذهبت إحدى عينيه والأخرى يبصر بها إبصارًا ضعيفًا، ثم أصابه دوسنطاريا (وهو مرض عدم استطاعة التبول) عشرين يومًا، ومات في شهر رمضان، وكان عمره نحو سبعين سنة تقريبًا، وقد كانت سنة 585 الخطبة للأمير أبي نصر محمد بن الخليفة الناصر لدين الله بولاية العهد في العراق وغيره من البلاد، ثم بعد ذلك خلعه الخليفةُ من ولاية العهد، وأرسل إلى البلاد في قطعِ الخطبة له، وإنما فعل ذلك لأنه كان يميل إلى ولَدِه الصغير علي، فاتفق أن الولد الصغير توفي سنة 612، ولم يكن للخليفة ولد غير ولي العهد، فاضطر إلى إعادته، إلا أنه تحت الاحتياط والحجر لا يتصرف في شيءٍ، فلما توفي أبوه وليَ الخلافة، وأحضر الناس لأخذ البيعة، وتلقَّب بالظاهر بأمر الله، وعلم أنَّ أباه وجميع أصحابه أرادوا صرفَ الأمر عنه، فظهر وولي الخلافة بأمر الله لا بسعي أحدٍ، ولَمَّا ولي الخلافة أظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سنَّة العُمَرين.



إيقاع جلال الدين خوارزم شاه بالتركمان الإيوانية .

العام الهجري : 623 العام الميلادي : 1226
تفاصيل الحدث:

كان التركمان الإيوانية قد تغلَّبوا على مدينة أسنة وأرمية، من نواحي أذربيجان، وأخذوا الخراجَ من أهلِها ليكفُّوا عنهم، واغتروا باشتغال جلال الدين بالكرج، وبُعدِهم بخلاط، وازداد طمعُهم، وانبسطوا بأذربيجان ينهبون، ويقطعون الطريقَ، والأخبار تأتي إلى جلال الدين بن خوارزم شاه، وهو يتغافل عنهم لاشتغاله بما هو المهمُّ عنده، فلما اشتد ذلك على الناس وعظُمَ الشَّرُّ أرسلت زوجة جلال الدين ابنة السلطان طغرل ونوابه في البلاد إليه يستغيثون، ويعرفونَه أن البلاد قد خربها الإيوانية، ولئن لم يلحَقْها وإلا هلكت بالمرَّة، فاتفق هذا إلى خوفِ الثلج، فرحل عن خلاط، وجدَّ السير إلى الإيوانية، وهم آمنون مطمئنون؛ لعِلمِهم أن خوارزم شاه على خلاط، وظنوا أنَّه لا يفارِقُها، فلم يَرُعْهم إلا والعساكر الجلالية قد أحاطت بهم، وأخذهم السَّيفُ من كل جانب، فأكثروا القتلَ فيهم، والنهبَ والسبي، واسترقُّوا الحريم والأولاد، وأخذوا من عندهم ما لا يدخلُ تحت الحصر، فرأوا كثيرًا من الأمتعة التي أخذوها من التجَّار بحالها في الشذوات، هذا سوى ما كانوا قد حلوه وفصلوه، فلما فرغ عاد إلى تبريز.



الصلح بين الأخوين المعظم والأشرف الأيوبيين .

العام الهجري : 623 العام الميلادي : 1226
تفاصيل الحدث:

كان بين المعظم والأشرف خلافٌ سَبَبُه أنَّه لَمَّا توفِّيَ الملك العادل أبو بكر بن أيوب، اتفق أولاده الملوك بعده اتفاقًا حسنًا، وهم: الملك الكامل محمد، صاحب مصر، والملك المعظم عيسى، صاحب دمشق، والملك الأشرف موسى، صاحب ديار الجزيرة وخلاط، واجتمعت كلمتُهم على دفع الفرنج عن الديار المصريَّة، ولما رحل الكامل عن دمياط لما كان الفرنج يحصُرونَها، صادفه أخوه المعظَّم من الغد، وقَوِيَت نفسه، وثَبَتت قدمه، ولولا ذلك لكان الأمر عظيمًا، ثم إنَ المعظم لما عاد من مصر سار إلى أخيه الأشرف ببلاد الجزيرة مرَّتين يستنجده على الفرنج، ويحثُّه على مساعدة أخيهما الكامل، ولم يزل به حتى أخذه وسارا إلى مصر، وأزالوا الفرنجَ، فلما فارق الفرنجُ مصرَ وعاد كل من الملوك أولاد العادل إلى بلده بَقُوا كذلك يسيرًا، ثم سار الأشرفُ إلى أخيه الكامل بمصر، فاجتاز بأخيه المعظَّم بدمشق، فلم يستصحِبْه معه، وأطال المقامَ بمصر، فساء المعظَّم ذلك، ثم إن المعظَّم سار إلى مدينة حماة وحصرها، فأرسل إليه أخوه من مصرَ ورحَّلاه عنها كارهًا، فازداد نفورًا، وقيل: إنَّه نقل إليه عنهما أنهما اتفقا عليه، والله أعلم بذلك، ثم انضاف إلى ذلك أن الخليفة الناصر لدين الله، كان قد استوحش من الكامِلِ؛ لِما فعله ولده صاحِبُ اليمن من الاستهانة بأمير الحاج العراقي، فأعرض عنه وعن أخيه الأشرف لاتفاقِهما، وقاطعهما وراسل مظفر الدين كوكبري بن زين الدين علي، صاحب إربل، يعلِمُه بانحرافه عن الأشرف، واستمالَه واتفقا على مراسلة المعظَّم وتعظيم الأمر عليه، فمال إليهما وانحرف عن إخوته، ثم اتفَقَ ظهور جلال الدين وكثرةُ ملكه، فاشتد الأمرُ على الأشرف بمجاورة جلال الدين خوارزم شاه ولاية خلاط، ولأنَّ المعظم بدمشق يمنع عنه عساكرَ مصر أن تصِلَ إليه، وكذلك عساكر حلب وغيرها من الشام، فرأى الأشرفُ أن يسير إلى أخيه المعظَّم بدمشق، فسار إليه في شوال واستماله واصطلح معه، فلما سمع الكامل بذلك عظم عليه، ثم إنهما راسلاه وأعلماه بنزول جلال الدين على خلاط، وعظَّما الأمر عليه، وأعلماه أن هذه الحال تقتضي الاتفاق لعمارة البيت العادلي، وانقضت السنةُ والأشرف بدمشق والناس على مواضِعِهم ينتظرون خروجَ الشتاء ما يكون من الخوارزميين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إتحاف النبلاء بأخبار الثقلاء جلال الدين السيوطي

  إتحاف النبلاء بأخبار الثقلاء    جلال الدين السيوطي إتحاف النبلاء بأخبار الثقلاء بسم ال...